الأربعاء، 24 ديسمبر 2014


تفسير مجمع البحرين

حيث كان لقاء العبد الصّالح بالنّبي موسى (ع)

 

بقلم: حسين أحمد سليم

 

يقول سبحانه و تعالى في سورة الكهف المباركة (من الآية 60 حتّى 63 )بالقرآن المجيد:

(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لاَ أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا * فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا * فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا * قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا * قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا * فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا).

عن الرّواة و المحدّثين و المفسّرين... قام النّبي موسى (ع) رسول الله لبني إسرائيل, فذكّر النّاس يوما حتّى إذا فاضت العيون ورقّت القلوب ولّى, فأدركه رجل فقال: أيّ رسول الله هل في الأرض أحد أعلم منك؟ قال: لا. فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إلى الله. قيل له: بلى. عبدنا الخضر. قال: يا ربّ وأين؟ قال: بمجمع البحرين. قال: ربّإجعل لي علما أعلم بك منه. قال: فخذ حوتا ميّتًا حيث ينفخ فيه الرّوح وفي رواية قيل له: تزوّد حوتًا مالحًا فإنّه حيث تفقد الحوت. فأخذ حوتًا فجعله في مكتل...

فقوله عزّ وجلّ: { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ } يوشع بن نون { لا أَبْرَحُ } أيّ لا أزال أسير { حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ } قيل : بحر فارس وبحر الرّوم ممّا يلي المشرق. وقيل طنجة. وقيل أفريقية...

وذكر البعض أنّ مجمع البحرين, ممّا يلي برّ الشّام ، وقالت فرقة: هو عند طنجة حيث يجتمع البحر المحيط والبحر الخارج منه من دبور إلى صبا، وأنّه بافريقية، وقيل: البحران الكرّ والرّسّ بأرمينية. وروى عن البعض، وقيل: بحر القلزم وبحر الأزرق، وقيل: هما بحر ملح وبحر عذب وملتقاهما في الجزيرة الخضراء في جهة المغرب، وقيل: هما مجاز عن موسى والخضر (ع) لأنّهما بحرا علم، والمراد بملتقاهما مكان يتّفق فيه إجتماعهما، وهو تأويل صوفي... و في قوله تعالى: { حتى أَبْلُغَ } إذ الظّاهر, أن يقال حتى يجتمع البحران مثلاً...

و { مجمع البحرين } على رأي آخر: هو مجتمع بحر فارس وبحر الرّوم. و قال آخر: هو ذراع يخرج من البحر المحيط من شمال إلى جنوب في أرض فارس من وراء أذربيجان، فالركن الذي لإجتماع البحرين ممّا يلي برّ الشّام, هو مجتمع البحرين. وقالت فرقة: هو عند طنجة حيث يجتمع البحر المحيط والبحر الخارج منه من دبور إلى صبا. وبإفريقية. وقيل: هو بحر الأندلس والقرية التي أبت أن تضيفهما هي الجزيرة الخضراء. وقيل: { مجمع البحرين } بحر ملح وبحر عذب فيكون الخضر على هذا عند موقع نهر عظيم في البحر. وقالت فرقة: البحران كناية عن موسى والخضر لأنّهما بحرا علم. وهذا شبيه بتفسير الباطنيّة وغلاة الصّوفيّة، والأحاديث تدلّ على أنّهما بحرا ماء...

و من بعض التّفاسير أنّ البحرين موسى والخضر لأنّهما كانا بحرين في العلم... وقيل: بحر القلزم. وقيل: بحر الأزرق. وقرأ البعض أنّ { مجمع البحرين } هو إسم مكان جمع البحرين. وقيل الكثير...

يقول الحقّ جلّ جلاله: { و } اذكر { إذ قال موسى لفتاه } يوشع بن نون بن إفراثيم بن يوسف (ع)، وكان ابن أخته، سُمي فتاه؛ إذ كان يخدمه ويتبعه ويتعلّم منه العلم. والفتى في لغة العرب: الشّابّ، ولمَّا كانت الخدمة أكثر ما تكون من الفتيان، قيل للخادم: فتى، ويقال للتّلميذ: فتى، وإن كان شيخًا، إذا كان في خدمة شيخه، فقال موسى (ع): { لا أبرحُ }: لا أزال أسير في طلب هذا الرّجل، يعني: العبد الصّالح, المسمّى الخضر (ع)، { حتّى أبلغَ مَجْمَعَ البحرين }، وهو ملتقى بحر فارس والرّوم ممّا يلي المشرق، وهذا مذهب الأكثر. وقيل: مجمع البحرين: عند « طنجة »؛ حيث يتجمّع البحر المحيط والبحر الخارج منه، وهو بحر الأندلس. { أو أَمْضِيَ حُقُبًا }, أي: زمنًا طويلاً أتيقّن معه فوات الطّلب. والحقب: الدّهر، أو ثمانون سنة، أو سبعون...

يقول الحقّ: { فإنطلقا حتّى إِذا أتيا أهل قريةٍ }، هي أنطاكية، وقيل: أَيْلة  وقيل الأبُلة، وهي أبعد أرض الله من السّماء، وقيل: برقة، وقال بعضهم: هي بالأندلس. ويُذكر أنها الجزيرة الخضراء. وهي التي تسمّى اليوم طريفة، وأصلها بالظاء المشالة. وذلك على قول إن مجمع البحرين عند طنجة وسبتة. وعن المرويات: « كانوا أهل قرية لِئامًا » وشرّ القرى التي لا يُضاف فيها الضّيف، ولا يعرف لإبن السّبيل حقّه...

ثمّ وصف القرية بقوله: { إستطعما أهلها } أيّ: طلبا منهم طعامًا، ولم يقل: استطعماهم، على أن يكون صفة لأهل؛ لزيادة تشنيعهم على سوء صنيعهم، فإنّ الإباء من الضّيافة، مع كونهم أهلها قاطنين بها، أشنع وأقبح...

قال سبحامه و تعالى: { يَخْرُجُ منهما اللؤلؤُ والمَرجانُ } اللؤلؤ: الدرّ، والمَرجان: الخرزُ الأحمر المشهور. و هو شجر ينبت في الحجر في وسط البحر، وهو موجود في بحر المغرب، ما بين طنجة وسبتة. و قيل: هو عروق حُمر يطلع من البحر كأصابع الكفّ، ويشاهد بأرض المغرب. وقيل: اللؤلؤ : كِبار الدر، والمرجان: صِغاره. وإنّما قال: « منهما » وهما إنّما يخرجان من الملح؛ لأنّهما لمّا إلتقيا وصارا كالشّيء الواحد جاز أن يُقال: يخرجان منهما...

قال تعالى: { وإذ قال موسى } و هو موسى بن عمران النّبيّ الرّسول إلى بني إسرائيل لفتاه يوشع بن نون { لا أبرح } أي سائراً { حتّى أبلغ مجمع البحرين } حيث أرشدني ربّي إلى لقاء عبد هناك من عباده هو أكثر منّي علماً حتّى أتعلم منه علماً ازيده على علمي ، { أو أمضي حقباً } أي أواصل سيري زمناً طويلاً حتى أظفر بهذا العبد الصالح لأتعلّم عنه...

و في قوله تعالى: { فلمّا بلغا مجمع بينهما } أيّ بين البحرين وهما بحر فارس عند باب المندب حيث التقى البحر الأحمر والبحر الهندي. أو البحر الأبيض والأطلنطي عند طنجة. وقوله { نسياً حوتمها } أيّ نسي الفتى الحوت، إذ هو الذي كان يحمله، ولكن نسب النّسيان إليهما جرياً على المتعارف من لغة العرب، وهذا الحوت قد جلعه الله تعالى علامة لموسى على وجود الخضر حيث يفقد الحوت، إذ القصة تبتدئ بأنّ موسى خطب يوماً في بنى إسرائيل فأجاد و أفاد فأعجب به شاب من بني إسرائيل فقال له: هل يوجد من هو أعلم منك يا موسى؟ فقال: لا. فأوحى إليه ربّه فوراً بلى عبدنا خضر، فتاقت نفسه للقياه للتّعلّم عنه، فسأل ربّه ذلك، فأرشده إلى مكان لقياه وهو مجمع البحرين، وجعل له الحوت علامة فأمره أن يأخذ طعامه حوتاً وأعلمه أنّه إذا فقد الحوت فثمّ يوجد عبدالله الصّالح العالم الخضر ومن هنا لمّا بلغا مجمع البحرين واستراحا فنام موسى والفتى شبه نائم وإذا بالحوت يخرج من المكتل ( وعاء ) ويشقّ طريقه إلى البحر فينجاب عنه البحر فيكون كالطّاق أو النّفق آية موسى...

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق