الأربعاء، 21 يناير 2015


نِذرُ للخضرْ

 

بقلم: حسين أحمد سليم

 

ذات يومٍ مجهولِ التّاريخ مضى آفلا مِن مددٍ في زمنِ العُمرْ,

حملتني أمّي طوعًا و كُرهًا في رحمِها تتجلّدُ صبرًا على الصّبرْ,

إيمانًا و إطمئنانًا و عِشقًا تسبحُ في رؤى الآمالِ على ذِمّةِ القدرْ,

تمضي الليل ساهرةً تناجي قناديلَ النّجومَ في الفضاءِ و لا تتذمّرْ,

تعُدُّ الكوكباتَ و بروج الشّمسِ و مساراتها و ترنو هانئةً لنورِ البدرْ,

تتمنّى فيما يُراوِدها أن تكونَ نجمةَ الصُبحِ في هِلالِ القمرْ,

تحسبُ الأيّامَ و الليالي بالثّواني, تستقبلُ شهرًا و تُودّعُ شهرْ,

تُخفي في مكنون كينونتها سِرَّ الكتمان كيّ لا يُشاعُ السّرّْ,

قد نذرت ما في رحمها لله تبريكًا على إسمِ العبدِ الصّالحِ الخضرْ,

و ذات يومٍ آخرَ في الحِسابِ ولدتني أمّي فقيرًا على دربِ الفقرْ,

و نذرني جدّيَ حُبّا و عِشقًا كما أمّي لِلخضرِ و قد أضناه الدّهرْ,

و هكذا جدّتي أخذت على عاتقها حملي على أكتافها لإيفاءِ النّذرْ,

و أبي راودته الأحلام يتهجّد في الليالي يتضرّعُ مُحمدلاً بالشّكرْ,

ماتَ جدّي و جدّتي و أبي و أمّي لهم الرّحمةُ و ما زال النّذرُ للخضرْ,

كنتُ طِفلاً صغيرًا و كبرتُ و لمْ أكُنْ أعرِف من يا تُرى هوَ الخضرْ؟!...

و لم أكُن لأفهمَ في ريعانِ طفولتي أسطورةَ ما معنى النّذرْ؟!

و كمْ أمضيتُ الليالي أتفكّرُ عقلنةً في النّذرِ حتّى أسكرني الفِكِرْ,

كأنّني من حيث لمْ و لنْ و لا أدري قلبنتُ ذاتي و سُجنتُ في الأسرْ,

يحملني التّخاطرُ كُلَّ ليلةٍ على صهواتِ أثيره أتحلّى بنعمة الصّبرْ,

و كُلّ ليلةٍ و من حيثُ لا أدري أُوقِدُ من شموعي في مقامِ الخضرْ,

أتحدّى وساوسَ كُلَّ الشّياطينَ بنفسٍ مُطمئنّةٍ لله في الذّكرْ,

و يزدادُ التّحدّي و يتعاظمُ إيمانًا و إطمئنانًا لله في زمنِ الكفرْ,

هي الدّنيا يا خضرُ كأنّها شمطاءُ عشّشت فيها سياسة العهرْ,

و ساسةٌ حُثالاتُ هذا الزّمنِ دُهاةٌ زناةٌ لا أمانَ لهم من الغدرْ,

و حُكّامٌ أفضلهم أولئكَ الذين كُشِفتْ عوراتهمْ كُلّما رُفِعَ السِّترْ,

كاذِبونَ إن وعدوا غادرون إن صوحبوا غيلانٌ بألبسةِ البشرْ,

طفح الكيلُ عربدةً و نجاسةً و فسادًا و إجرامًا و ساء الخبرْ,

أرسل عليهمْ شواظا من أتونٍ فليس لهم مكانا إلاّ في سقرْ,

لا تُبقي منهم نسلاً أبناء العهر و الكفرِ و القهر و لا تذرْ,

فما أغبى الذي يحملُ الأمانةَ بلا وعيٍ و كمْ يُثقله الوِزرْ؟!

تعالي حبيبتي نتطهّرُ نفسًا و فِكرًا و نغتسلُ بماء النّهرْ,

نرفعُ أكفّنا للسّماءِ بالدّعاءِ و نتضرّعُ و نتهجّدُ لله بالشّكرْ,

نحملُ كُلّ غسقٍ شموعنا نُضيءُ مزارات و مقامات الخضرْ,

لا همّ لنا سواء آمنَ النّاس أم غرقوا في دركاتِ الكُفرْ,

دركاتُ الجحيمِ أجارنا الله من نيرانها و لظاها و الجمرْ,

فدرجاتُ النّعيمِ لا يرودها إلاّ من آمن بالله و أحبّ الخضرْ,

و على السّواءِ إن كانَ الخضرُ و ليّا أو نبيّا فليس من وزرْ,

أو كان قِدّيسًا أو ملاكًا أو أيلا النّبي أو إلياس و ما جاء في الذّكرْ,

أو كان عليًا في النّورانيّةِ أو محمّدًا أو جرجس النّصارى و النّصرْ,

و إن كانَ حيّا على وجه الماءِ أو ميّتًا فليس الإيمانُ يتغيّرْ,

فتعالي حبيبتي كُلّ فجرٍ نُرتّلُ سورة الكهفِ نرود بآياتها قصّة الخضرْ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق