الاثنين، 5 يناير 2015


قصص الخضر (ع)

 

بقلم: حسين أحمد سليم

 

يُعتبر الخضر (ع) شخصيّة مقدّسة لدى جميع الدّيانات السّماويّة الثّلاث, الموسويّة و العيسويّة و المحمّديّة... و يعتبر المسيحيّون أنّ القدّيس مار جرجس هو نفسه الخضر (ع) رغم فارق الزّمن بين وجود الخضر (ع) في عصر النّبي موسى (ع) و رواية ولادته في ما بعد النّبي عيسى المسيح (ع)... و يعتقد البعض أنّ النّبي إلياس (ع) الذي أرسله الله لبعلبك في زمن عبادة البعل وتسلّط آحاب و ززجته هو الخضر (ع) فيما يعتقد البعض الآخر أنّ الخضر (ع) هو النّبي أيلا (ع) الذي صعد السّماء من على التّلّة التي عليها اليوم مقامه في البلدة التي حملت إسمه...

فالقدّيس جرجس أو مار جرجس (280-303 م) و يسمّى أيضاً جاورجيوس أو جريس أو جورج (بالإنجليزية Saint George) و جرجة في العربيّة الفصحى... هو قدّيس حسب معظم الكنائس الشّرقيّة و الغربيّة و هو واحد من الأربعة عشر مساعد حسب الطّائفة الكاثوليكيّة... يحتفل به يوم 23 نيسان من كل عام. و معنى إسمه الزّارع أو الفلاّح...

 

قصص الخضر (ع)

الخضر (ع) الذي تحوّل لدى المسيحيّين إلى القدّيس مار جريس, هو نفسه الإله «تموز» البابلي إبن عشتار الذي يُعدّ، في المعتقدات القياميّة القديمة، تجسيداً لروح النّبات... و هو إله زراعي تماماً... وحتّى اليوم ما زال الكاهن الرّوسي يخرج في عيد مار جاورجيوس مع جمهور من النّاس إلى الحقول ليباركها...

و قصّة القدّيس مار جريس في دلالاتها الأسطوريّة تُمثّل المسيحيّة، بإعتبارها عقيدة فداء وخلاص ورثت هذه المعتقدات كلّها، ومعها الطّقوس الجميلة، و إستوعبت ديانات الأسرار القديمة التي سبقت نشوء المسيحيّة, ويبدو ذلك بوضوحفي الأيقونات التي تزيّن البيوت والكنائس, حيث يظهر القدّيس مارجريس وهو يقاتل التّنّين ذا الرّؤوس السّبعة، و إلى جانب المشهد إمرأة جميلة هيفي الأصل، الإلهة «عناة» الأوغاريتيّة، لكنّها صارت ترمز إلى النّساء اللواتي تخلّصن من مذلّة الموت بغايا أو قرابين بشريّة... وهي في الأيقونة، رمز للكنيسة التي قاتل في سبيلها القدّيس جاورجيوس...

الخضر (ع) و القدّيس مار جريس, جمعتهما الذّاكرة الشّعبيّة و المورثات القديمة في قصّة أسطوريّة متنافرة...
فالخضر الذي ورد ذكره في القرآن الكريم, عاش بحسب الرّواية الإسلاميّة، في زمن النّبي موسى (ع)، أيّ قبل المسيح (ع). بينما وُلد مار جريس بعد المسيح بثلاثة قرون تقريباً... من هنا فلا علاقة، إذاً، بين الشّخصّيّتين... لكنّ الخيال الشّعبي، الدّيني تحديداً، دمج القصّتين في حكاية واحدة... وقصّة الخضر تندرج في نطاق الأدب العجائبي، فهو يدعى «إيليا بن ملكان»، وسُمّي الخضر (ع)، لأنّه حيّ كشجرة دائمة الخضرة لا تعرف اليباس... وقيل لأنّه إذا جلس على أرض جافّة أو يابسة إخضرّت وأزهرت...

والخضر (ع) في الرّوايات الإسلاميّة لا يقتل التّنّين، وإنّما يقوم بإجتراح المعجزات و المخاريق بأمر الله تعالى... و من غير المعروف على وجه الدّقّة متى دُمجت حكاية الخضر (ع) (غير الواردة في القرآن) بحكاية القدّيس مار جريس...

وعلى الرّغم من أنّ  الحكايتين تفترقان كثيراً، وإنّ الخضر (ع), على رأي البعض من الرّواة, ما زال حيّاً إلى اليوم، إلاّ أنّ النّاس تعتقد غير ذلك... ففي فلسطين قرية تدعى «الخضر» تقع جنوبي القدس، وفيها كنيسة بإسم القدّيس جاورجيوس، ويعتقد أهلها أنّ الخضر مات ودفن في هذه البلدة... ويعتقد النّاس في درعا أنّ الخضر مدفون بالقرب من مدينتهم، وله فيها مقام يُزار...

و هناك قصص وروايات أخرى تعود للعصور الوسطى والتي أساسها أساطير إغريقيّة ويونانيّة قديمة. حيث أضحت هذه القصّة مرافقة للقدّيس وترمز له في لوحات أيقونيّة وتماثيل...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق